باد الله! لحكمة يعلمها العليم الحكيم، انقطع الوحي شهراً كاملاً ولم ينزل الله آية واحدة في شأن حادثة الإفك على قلب حبيبه المصطفى،
والنبي صلى الله عليه وسلم يتلوى من الألم، ومن الحزن، ومن هذا البلاء، فنزل الوحي، وشخصت الأبصار، وانقطعت الأنفاس، وهمس الجميع،
لقد برأك الله عز وجل. الحمد لله الذي يسمع ويرى، الحمد لله الذي يعلم
لقد برأك الله من فوق سبع سماوات، لا برؤيا وإنما بوحي يتلى، بل وسيظل يتلى إلى يوم أن يرث الله الأرض ومن عليها! أبشري
.
لا والله، والله لا أقوم إليه، ولا أحمد إلا الله عز وجل الذي أنزل براءتي من السماء.
وجلس الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم ليتلو على أسماعها لأول مرة براءتها من فوق سبع سماوات:
إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ
مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ
امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذ ِي تَوَلَّى
كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ
ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا
هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ
فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ
الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي
الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ
عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ
بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا
وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ
مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ
عَظِيمٌ * يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ
كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ
فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ
وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [النور:11-20].
وكان الصديق رضي الله عنه يعطي النفقة لـمسطح بن أثاثة لقرابته وفقره، فلما تكلم في عائشة،
قال الصديق : والله لا أعطيه النفقة بعد
اليوم أبداً، فنزل قول الله جل وعلا: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ
مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ
وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا
تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
[النور:22]
فلما سمعها الصديق قال:بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي، وأعطى النفقة مرة أخرى
لـمسطح رضي الله عنه وغفر له،
وقال الصديق:
(والله لا أنزعها منه أبداً). وهكذا أيها الأحباب خرجت عائشة من هذه المحنة بهذه المنقبة وهذه الفضيلة،
وزادت مكانتها في قلب الحبيب المصطفى، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم. وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في بيت عائشةالحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله،
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.
وهكذا أيها الأحبة! ظلت
عائشة في قلب
النبي صلى الله عليه وسلم، وشاء الله جل وعلا الذي جمع بين قلبيهما أن يجمع بين
ريقهما في أول يوم من أيام الآخرة للنبي صلى الله عليه وسلم وآخر يوم من أيام الدنيا.
تقول عائشة رضي الله عنها، كما ورد في الصحيحين:مات رسول الله صلى الله عليه وسلم في
بيتي وفي يومي، وبين
سحري ونحري، وجمع الله بين
ريقي وريقه عند الموت، فبينما أنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليَّ
عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك،
فوجدت
النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه، وقد علمت أنه يحب
السواك، فقلت: آخذه لك يا رسول الله؟
فأشار النبي برأسه: أن نعم،
تقول: فأخذته فلينته، ثم نفضته، ثم طيبته، ودفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم،
فاستن به أطيب ما كان مستناً قط، وكانت بين يديه ركوة من ماء يدخل يده فيها ويمسح العرق عن
جبينه -الأزهر الأنور-
وهو يقول:
(لا إله إلا الله إن للموت لسكرات)، ثم تقول: وإذ به يرفع يده ويقول:
(بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى)، ثم سقطت يده،
فعلمت أنه صلى الله عليه وسلم قد مات.
مات الحبيب على صدرها، وبين
سحرها ونحرها، وجمع الله
بين ريقه وريقها، فيا لها من فضيلة عظيمة!
ولم تمض إلا أشهر معدودات بعد
سنتين ونصف بل أقل،
وتصاب
عائشة بمصاب لا يقل عن المصاب الأول حزناً وألماً، فلقد نام
أبوها الصديق هو الآخر على فراش الموت،
ودخلت عليه الصديقة رضي الله عنها
وهي تقول:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر فكشف أبو بكر الغطاء عن وجههوقال: لا يا بنية! لا تقولي هذا، وإنما قولي:
وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]،
وأوصاها
الصديق أن يدفن في بيتها، إلى جوار
حبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم.
مات
الصديق رضي الله عنه، وظهرت
عبقرية الصديقة، وظهر علمها ومكانتها، وظهر فقهها ومكانتها الحديثية يبن الصحابة في
عهد عمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
حتى كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يقول:ما أشكل علينا نحن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم حديث قط إلا وجدنا عند
عائشة منه علماً.
ظهرت مكانتها العلمية، وتفرغت للعلم ولرواية الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث روت أكثر من
ألفين حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفرغت للعلم وللتدريس، وكان كبار الصحابة يرجعون إليها في
عهد عمر وعثمان.......
حقيقة ما وقع بين عائشة وعلي رضي الله عنهماوفي عهد
علي في أول خلافته قامت الفتنة -فتنة
وقعة الجمل- التي ندمت عليها أمنا رضي الله عنها ندماً شديداً.
وأود في عجالة أن أنبه إلى اتهام باطل اتهمت به
عائشة رضي الله عنها، وشحنت به بعض كتب التاريخ والسير،
ألا وهو أن عائشة هي التي ذهبت إلى الكوفة والبصرة لتجييش الجيوش للخروج على علي ولحربه، وهذا افتراء باطل وكاذب،
وإن أعظم دليل على كذب هذا: ما رواه الطبري بسند صحيح عن الأحنف بن قيس أنه قال:
ذهبت إلى المدينة النبوية فرأيت الناس قد اجتمعوا في وسط المسجد النبوي، والناس يحاصرون عثمان رضي الله عنه، فلقيت طلحة والزبير
فقلت لهما: والله ما أرى عثمان إلا مقتولاً، فإن قتل فمن تأمراني أن أبايع؟ فقال طلحة والزبير : عليك أن تبايع علياً.يقول الأحنف بن قيس : فعدت إلى مكة فلقيت
عائشة رضي الله عنها، فبلغنا خبر مقتل
عثمان ،
فقلت: يا أماه! من تأمريني أن أبايع؟ فقالت
عائشة : عليك
بـعلي.
يقول الأحنف :] فعدت إلى المدينة
فبايعت علياً ثم رجعت إلى البصرة مرة أخرى.
أما ذهابها إلى
الكوفة والبصرة فقد شرحته قبل ذلك مفصلاً في اللقاء الرابع من هذه السلسلة في خطبة
علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وما ذهبت إلا متأولة، تريد الصلح والإصلاح بين المسلمين، وجمع كلمتهم،
متأولة بقول الله جل وعلا:
لا خَيْرَ فِي
كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ
أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [النساء:114]
إلا أنه وقع عكس ما كانت تتمناه وتريده تماماً، حتى
كانت إذا ذكرت يوم الجمل تبكي، ويبلل البكاء خمارها وتقول: يا ليتني مت
قبل هذا اليوم بعشرين سنة! ...... عائشة على فراش الموت وفي شهر رمضان في
السنة الثامنة والخمسين من الهجرة نامت
الصديقة على فراش الموت، ودخل عليها
ابن عباس رضي الله عنهما، فأبت أول الأمر أن يدخل عليها،
فقال لها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن : يا أماه! إنه اسبحان الله سبحان الله سبحان الله، وخير صالحي أمتك وبنيك، يودعك ويسلم عليك، فقالت: ائذن له إن شئت.
وهذه رواية أحمد وابن سعد في الطبقات، وأبي نعيم في الحلية، وسندها صحيح.فلما دخل عليها
ابن عباس رضي الله عنه بشرها وزكّاها.
وفي رواية البخاري قال لها: كيف تجدينك يا أماه؟
فقالت عائشة : بخير إن اتقيت،
فقال ابن عباس :
أنت بخير إن شاء الله، أنت زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والبكر الذي
لم يتزوج بكراً غيرك، وأنت زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنة،
فقالت له عائشة رضي الله عنها:
يا ابن عباس ! لا حاجة لي في تزكيتك، والله لوددت أني كنت نسياً منسياً.
وهكذا أيها الأحباب! فارقت روحها هذا الجسد الطاهر؛ لتسعد مرة أخرى سعادة
أبدية بصحبة الحبيب المصطفى، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، في جنات ونهر،
فلقد ورد في صحيح البخاري من حديث
عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه رضي الله عنه قال:
(إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة).رضي الله عن عائشة ، وصلى الله وسلم وبارك على نبيها وأستاذها ومعلمها، ورضي الله عن
أبيها،
ونسأل الله جل وعلا أن يجمعنا بهم في دار كرامته،
ومستقر رحمته. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا،وثبت أقدامنا
وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا
مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا أديته، ولا هماً إلا فرجته،ولا ميتاً إلا
رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها صلاح إلا
قضيتها ويسرتها يا رب العالمين!
اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل اللهم فينا شقياً ولا محروماً.اللهم أصلح حكام المسلمين، وأصلح علماء المسلمين، وأصلح شباب المسلمين،
وأصلح نساء المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين! أحبتي في الله! أكثروا من
الصلاة والسلام على نبينا، فإن الله جل وعلا قد أمرنا بذلك، فقال:
إِنَّ
اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله، وما كان من خطأ أو
سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن
أذكركم به وأنساه. ......
محاضرة للشيخ محمد حسان (حفظه الله )
الجمعة أبريل 28, 2017 11:17 am من طرف aze456
» شارك للفوز ب 1000 درهم
الثلاثاء أغسطس 18, 2015 2:41 pm من طرف aze456
» هل ترغب بتعلم الانجليزية مع متحدث عامي مجانا؟
السبت يوليو 18, 2015 1:01 am من طرف سمسمة عفيفي
» هدية نقدية بقيمة 1000 درهم مغربية من موقع حيلة
الجمعة يونيو 19, 2015 10:30 am من طرف aze456
» المسابقة الرسمية الرابعة لموقع حيلة بجائزة نقدية قدرها 500 د
الخميس فبراير 26, 2015 3:03 pm من طرف aze456
» قوانين المنتدى الرسمية ( الرجاء الاطلاع قبل المشاركة )
الخميس ديسمبر 25, 2014 6:43 am من طرف Meshmesha
» حاول تعرف
الأحد يونيو 30, 2013 3:59 am من طرف محب العلم والمعرفة
» فزوووووره
الأحد يونيو 30, 2013 3:57 am من طرف محب العلم والمعرفة
» فزوره والله العظيم اسهل مما يمكن
الأحد يونيو 30, 2013 3:55 am من طرف محب العلم والمعرفة
» ما هو الشى ؟؟؟؟؟؟؟؟
الأحد يونيو 30, 2013 3:55 am من طرف محب العلم والمعرفة
» مــــاهــي أمنيتــــــــــــــــك اليــــــــــــــــــوم ؟؟
الأحد يونيو 30, 2013 3:54 am من طرف محب العلم والمعرفة
» دعاء عمرو دياب - يانور على نور MP3 High Quality
الإثنين فبراير 25, 2013 9:47 am من طرف فتحي المهدي